فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (24):

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)}
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} قال قتادة: رؤساء في الخير سوى الأنبياء عليهم السلام، وقيل: هم الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل {يَهْدُونَ} بقيتهم بما في تضاعيف الكتاب من الحكم والأحكام إلى طريق الحق أو يهدونهم إلى ما فيه من دين الله تعالى وشرائعه عز وجل: {بِأَمْرِنَا} إياهم بأن يهدوا على أن الأمر واحد الأوامر، وهذا على القول بأنهم أنبياء ظاهر، وأما على القول بأنهم ليسوا بأنبياء فيجوز أن يكون أمره تعالى إياهم بذلك على حد أمر علماء هذه الأمة بقوله تعالى: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير وَيَأْمُرُونَ بالمعروف} [آل عمران: 104] الآية.
وجوز أن يكون الأمر واحد الأمور والمراد يهدون بتوفيقنا {لَمَّا صَبَرُواْ} قال قتادة: على ترك الدنيا؛ وجوز غيره أن يكون المراد لما صبروا على مشاق الطاهر ومقاساة الشدائد في نصرة الدين، و{لَّمًّا} يحتمل أن تكون هي التي فيها معنى الجزاء نحو لما أكرمتني أكرمتك أي لما صبروا جعلنا أئمة، ويحتمل على تكون هي التي عنى الحين الخالية عن معنى الجزاء، والظاهر أنه حينئذ ظرف لجعلنا أي جعلناهم أئمة حين صبروا، وجوز أبو البقاء كونها ظرفًا ليهدون.
وقرأ عبد الله. وطلحة. والأعمش. وحمزة. والكسائي. ورويس {لَّمًّا} بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام للتعليل وما مصدرية أي لصبرهم وهو متعلق بجعلنا أو بيهدون. وقرأ عبد الله أيضًا {ا} بالباء السببية وما المصدرية أي بسبب صبرهم {وَكَانُواْ باياتنا} التي في تضاعيف الكتاب، وقيل: المراد بها ما يعم الآيات التكوينية، والجار متعلق بقوله تعالى: {يُوقِنُونَ} أي كانوا يوقنون بها لا معانهم فيها النظر لا بغيرها من الأمور الباطلة، وهو تعريض بكفرة أهل مكة، والجملة معطوفة على {صَبَرُواْ} فتكون داخلة في حيز {لَّمًّا} وجوز أن تكون معطوفة على {جَعَلْنَا} وأن تكون في موضع الحال من ضمير {صَبَرُواْ}.
والمراد كذلك لنجعلن الكتاب الذي آتيناكه أو لنجعلنك هدى لأمتك ولنجعلن منهم أئمة بهدون مثل تلك الهداية.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)}
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ} أي يقضى {بَيْنَهُمْ} قيل: بين الأنبياء عليهم السلام وأممهم، وقيل: بين المؤمنين والمشركين {يَوْمُ القيامة} فيميز سبحانه بين المحق والمبطل {فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمور الدين.

.تفسير الآية رقم (26):

{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)}
{أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ} الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام ويناسب المعطوف معنى على ما اختاره غير واحد، وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول، وإما عنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ضمير عائد إلى ما في الذهن ويفسره قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مّنَ القرون} وكم في محل نصب باهلكنا أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم أو طريق الحق كثرة من أهلكنا أو كثرة اهلاك من أهلكنا من القرون الماضية مثل عاد. وثمود. وقوم لوط، ولا يجوز أن تكون {كَمْ} فاعلا لصدارتها كما نص على ذلك الزجاج حاكيًا له عن البصريين، وقال الفراء: كم في موضع رفع بيهد كأنك قلت: أو لم يهد لهم القرون الهالكة فيتعظوا ولا أن يكون محذوفًا لأن الفاعل لا يحذف إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها ولا مضمرًا عائدًا إلى ما بعد لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظًا ورتبة في غير محل جوازه، ولا الجملة نفسها لأنها لا تقع فاعلًا على الصحيح إلا إذا قصد لفظها نحو تعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال، وجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى شأنه لسبق ذكره سبحانه في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ} إلخ وأيد بقراءة زيد {عَرَّفَهَا لَهُمْ} بنون العظمة، قال الخفاجي: والفعل بكم عن المفعول وهو مضمون الجملة لتضمنه معنى العلم فلا تغفل.
{يَمْشُونَ فِي مساكنهم} أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم، والجملة حال من ضمير {لَهُمْ}، وقيل: من {القرون}، والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم، وقيل: مستأنفة بيان لوجه هدايتهم.
وقرأ ابن السميقع {يَمْشُونَ} بالتشديد على أنه تفعيل من المشي للتكثير {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من اهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم {لاَيَاتٍ} عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها {لاَ يَسْمَعُونَ} هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ.

.تفسير الآية رقم (27):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)}
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} الكلام فيه كالكلام في {أَوَ لَمْ يَهْدِ} [السجدة: 26] أي أعموا ولم يشاهدوا {أَنَّا نَسُوقُ الماء} بسوق السحاب الحامل له، وقيل: نسوق نفس الماء بالسيول، وقيل: بإجرائه في الأنهار ومن العيون {إِلَى الأرض الجرز} أي التي جرز نباتها أي قطع اما لعدم الماء واما لأنه رعى وأزيل كما في الكشاف.
وفي مجمع البيان الأرض الجرز اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطاء عنها من قولهم: سيف جراز أي طاع لا يبقى شيئًا إلا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقى شيئًا إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول، قال الراجز:
خب جروز وإذا جاع بكى

وقال الراغب: الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها، وفي مثل لا ترضى شانئة إلا بحروزة أي بالاستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف اه، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام.
وأخرج هو وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنها أرض باليمن، وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد، أخرج عنه جماعة أنه قال: الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقرئ {الجرز} بسكون الراء، وضمير {بِهِ} للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة: المراد فنخرج عنده، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المرزوع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقًا فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه: {تَأْكُلُ مِنْهُ} أي من ذلك الزرع {أنعامهم} كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها {وَأَنفُسِهِمْ} كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان، وفي البحر يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفًا له ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، ويجوز أن يراد به النبات مطلقًا، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله، وقيل ليرتقي من الأدنى إلى الأشرف وهو بنو آدم.
وقرأ أبو حيوة. وأبو بكر في رواية {يَأْكُلُ} بالياء التحتية {أَفَلاَ يُبْصِرُونَ} أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عز وجل، وجعلت الفاصلة هنا {يُبْصِرُونَ} لأن ما قبله مرئى وفيما قبله {يَسْمَعُونَ} لأن ما قبله مسموع، وقيل: ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر.
وقرأ ابن مسعود {تُبْصِرُونَ} بالتاء الفوقية.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)}
{وَيَقُولُونَ} على وجه التكذيب والاستهزاء {متى هذا الفتح} أي الفصل للخصومة بينكم وبيننا، وكأن هذا متعلق بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25] وقيل: أي النصر علينا، ابن جرير. وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن لنا يومًا يوشك أن نستريح فيه وننتقم فيه فقال المشركون: متى هذا الفتح إلخ فنزلت {وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح} {إِن كُنتُمْ صادقين} أي في أن الله تعالى هو يفصل بين المحقين والمبطلين، وقيل: في أن الله تعالى ينصركم علينا.

.تفسير الآية رقم (29):

{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)}
{قُلْ} تبكيتا لهم وتحقيقًا للحق {يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُواْ إيمانهم وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.
أخرج الفريابي. وابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: يوم الفتح يوم القيامة، وهو كما في البحر منصوب بلا ينفع، والمراد بالذين فكروا إما أولئك القائلون المستهزئون فالأظهار في مقام الاضمار لتسجيل كفرهم وبيان علة الحكم، وإما ما يعمهم وغيرهم وحينئذ يعلم حكم أولئك المستهزئين بطريق برهاني، والمراد من قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} استمرار النفي، والظاهر أن الجملة عطف على {لاَّ ينفَعُ} إلخ والقيد معتبر فيها، وظاهر سؤالهم بقولهم {متى هذا الفتح} [السجدة: 28] يقتضي الجواب بتعيين اليوم المسؤول عنه إلا أنه لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالًا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم فكأنه قيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤوا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان واستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا، وهذا قريب من الأسلوب الحكيم.
هذا وتفسير {يَوْمَ الفتح} بيوم القيامة ظاهر على القول بأن المراد بالفتح الفصل للخصومة فقد قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} [السجدة: 25] ولا يكاد يتسنى على القول بأن المراد به النصر على أولئك القائلين إذا كانوا عانين به النصر والغلبة عليهم في الدنيا كما هو ظاهر مما سمعت عن مجاهد، وعليه قيل: المراد بيوم الفتح يوم بدر، وأخرج ذلك الحاكم وصححه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: يوم فتح مكة، وحكى ذلك عن الحسن. ومجاهد، واستشكل كلا القولين بأن قوله تعالى: {يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُواْ إيمانهم} ظاهر في عدم قبول الإيمان من الكافر يومئذ مع أنه آمن ناس يوم بدر فقيل منهم وكذا يوم فتح مكة.
وأجيب بأن الموصول على كل منهما عبارة عن المقتولين في ذلك اليوم على الكفر، فمعنى لا ينفعهم إيمانهم انهم لا إيمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله:
على لا حب لا يهتدي بمناره

سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} على المقيد أو على المجموع فتأمل.
وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر، وأيضًا كون يوم الفتح يوم بدر بعيد عن كون السورة مكية وكذا كونه يوم فتح مكة، ويبعد هذا أيضًا قلة المقتولين في ذلك اليوم جدا تدبر.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)}
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، وعن ابن عباس أن ذلك منسوخ بآية السيف، ولا يخفى أنه يحتمل أن المراد الاعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين فلا يتعين النسخ.
{وانتظر} النصرة عليهم وهلاكهم {إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ} قال الجمهور: أي الغلبة عليكم كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} [التوبة: 52] وقيل: الأظهر أن يقال: إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام} [البقرة: 210] الآية، ويقرب منه ما قيل: وانتظر عذابنا لهم إنهم منتظرون أي هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاطي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة. وقرأ اليماني {مُنتَظِرُونَ} بفتح الظاء اسم مفعول على معنى أنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة عليهم السلام ينتظرونه والمراد أنهم هالكون لا محالة هذا.
ومن باب الإشارة: قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ} [السجدة: 4] فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الالتفات إلى الأسباب والاعتماد عليها، وقوله سبحانه: {يُدَبّرُ الامر مِنَ السماء إِلَى الأرض} [السجدة: 5] فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عز وجل لا أثر له فطوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله تعالى واستغنى به عن تدبيره {الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ} فيه إرشاد إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يستقبح شيئًا من المخلوقات، وقد حكى أن نوحًا عليه السلام بصق على كلب اجرب فانطق الله تعالى الكلب فقال: يا نوح اعبتني أم عبت خالقي فناح عليه السلام لذلك زمانًا طويلًا فالأشياء كلها حسنة كل في بابه والتفاوت إضافي، وفي قوله تعالى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ} [السجدة: 7] إلى آخر الآية بعد قوله سبحانه: {الذى أَحْسَنَ} إلخ إشارة إلى التنقل في أطوار الحسن والعروج في معارجه فكم بين الطين والإنسان السميع البصير العالم فإن الإنسان مشكاة أنوار الذات والصفات والطين بالنسبة إليه كلا شيء {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئاياتنا الذين إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] إشارة إلى حال كاملي الإيمان وعلو شأن السجود والتسبيح والتحميد والتواضع لعظمته عز وجل: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} إشارة إلى شهرهم في مناجاة محبوبهم وملاحظة جلاله وجماله، وفي قوله: {وَمِمَّا رزقناهم} أي من المعارف وأنواع الفيوضات {يُنفِقُونَ} [السجدة: 61] إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كما لهم في أنفسهم وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا. والعذاب الأكبر العذاب على ذلك.
وقال بعضهم: الأول التعب في طلب الدنيا والثاني شتات السر، وقيل: الأول حرمان المعرفة والثاني الاحتجاب عن مشاهدة المعروف، وقيل: الأول الهوان والثاني الخذلان.
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بئاياتنا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف وهو الصبر على مشاق العبادات وأنواع البليات وحبس النفس عن ملاذ الشهوات والإيقان بالآيات فمن يدعي الإرشاد وهو غير منصف بما ذكر فهو ضال مضلل {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وانتظر إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ} [السجدة: 30] فيه إشارة إلى أنه ينبغي الأعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين والسالكين إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة وإلى أنهم هالكون لا محالة فإن الإنكار الذي لا يعذر صاحبه سم قاتل وسهم هدفه المقاتل نعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور بحرمة حبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم.